miércoles, 30 de mayo de 2018

عن: د.علي المنوفي/في: أخبار الأدب/د. نهاد بيبرس


ناقل الاختصاص من القاعات إلى الحياة
د. نهاد بيبرس
كنا بانتظاره هنا في إسبانيا، ولكن الموت سبقنا إليه قبل أن يحقق رغبته التي باح بها في الأيام الأخيرة، متحدثاً عن شوقه.. بل وحاجته إلى زيارة إسبانيا، التي عاش فيها طويلاً ولم ينقطع عن عبور المتوسط نحوها بين الحين والآخر مُشكلاً بذلك جسراً بين الثقافتين على الصعيد الشخصي والمعرفي، ولا غرابة أن يحظى بالاعتراف والتكريم على أعلى المستويات من كلا الثقافتين، ومن ذلك نيله وسام الاستحقاق المدني من ملك إسبانيا، واختياره كعضو في الجمعية الإسبانية الملكية للتاريخ، ودرع اتحاد كتاب مصر، إضافةً إلى أعلى الجوائز في الترجمة عربياً كجائزتي الشيخ زايد للترجمة والشيخ حمد بن خليفة للترجمة والتفاهم الدولي.
إن أبرز ما عرفناه عن أستاذنا وزميلنا الدكتور على المنوفي هو حضوره الفاعل والمتفاعل في كل ما يتعلق بالأنشطة والحراك الأكاديمي والثقافي الذي له صلة بميدان الدراسات والترجمة واللغة والثقافات الإسبانية، فعلى الرغم من أن هذا الاختصاص يعد ضيق النطاق ومحصور الأهمية بالنسبة لمجتمعاتنا بشكل عام، وعلى الرغم من أن المعروف عن الأكاديميين تركيزهم على اختصاصاتهم في مكانها التعليمي وحسب، إلا أن الدكتور المنوفي استطاع أن يكون نموذجاً وقدوة متميزة في كسر هذه الحواجز، فقد سعى منذ البدايات إلى استثمار وتوظيف معرفته التخصصية لما فيه فائدة المحيط العام، فلم يكتف بالتموضع في خندق الاختصاص الأكاديمي الذي أنجز أطروحته للدكتوراه فيه وهو الشعر الإسباني المعاصر، بل ولم يكتف بالاشتغال داخل الميدان الأدبي بشكل عام، وإنما راح يوسع من ذلك عبر ترجماته ومحاضراته ومشاركاته في ما يتعلق بنقل معارف أخرى كالفنون المعمارية والآثار (مثل: سلسة الكتب المتعلقة بالعمارة والفن الإسلامي بالأندلس والمساجد الأندلسية) والتاريخ  والسياسة والفلسفة والدراسات الإجتماعية: (إسبانيا في تاريخها: المسيحيون والمسلمون واليهود) و(إسبانيا بشكل جلي: المنطق التاريخي للبلاد الإسبانية).. وغيرها، وصولاً إلى الاهتمام بآخر وسائل التقنيات الحديثة وإمكانية توظيفها وتفعيل دورها في خدمة الفنون، ومن ذلك دراسة (هل يمكن للحاسوب أن يكتب قصيدة غزلية؟ التقنية الرومانسية والشعر الإلكتروني). 
لقد كان أستاذنا المنوفي متابعاً وحاضراً معنا في كل ما قمنا به ضمن إطار الدراسات الهيسبانية ومشجعاً وداعماً لكل ما يتعلق بها، بغض النظر عن فرق الأجيال والأماكن، وأذكر من ذلك حضوره معنا في المؤتمر الأول لجمعية المشتغلين بالدراسات الإسبانية العرب الذي عقد في القاهرة سنة 2014 والذي قدمتُ فيه بحثاً عن (الكاتب العربي كفاعل مبدع باللغة الإسبانية)، والمؤتمر الإيبرإفريقي الثاني للمشتغلين بالدراسات الإسبانية، الذي عقد في القاهرة أيضاً سنة 2012 والذي تناولت فيه شخصية جوهرية في الثقافة المكسيكية (لامالينشه بين الواقع والخيال)، وفي كلتا المناسبتين لم يتردد أستاذنا المنوفي من النهوض والحديث معي مشِيداً ومشجعاً على الاستمرار في التعريف وتناول مواضيع ذات طابع ثقافي عام أكثر مما هو أدبي متخصص. وهذا السلوك الأبوي الحميم، عرف عن المُعلم المنوفي في كل مراحل حياته وميادين تحركه، بحيث أنه لم يكن ليدخر جهداً واهتماماً.. بل وبدعم معنوي وعاطفي لأي طالب مبتدئ يلمس فيه ولو رغبة بسيطة في فعل شئ أو تطوير قابلياته المعرفية في تخصص الدراسات الإسبانية، ومثال ذلك عدم تردده بالذهاب شخصياً إلى تجمعات ومراكز صغيرة يقيمها الطلاب بجهود ذاتية بعيداً عن التكاليف الباهظة للمراكز والمؤسسات الرسمية من أجل تطوير قابلياتهم، فكان يحرص على مواكبتهم وتوجيههم منذ البدايات بهدف التأسيس الصحيح لآليات الترجمة والتوجيه نحو الميادين المعرفية الغنية التي لا تزال بحاجة إلى نقلها إلى ثقافتنا وليس الاكتفاء بالترجمات السريعة للأعمال الأدبية الرائجة في السوق التجاري الثقافي. هكذا كان المعلم حريصاً جداً على توعية وصحة تأسيس الأجيال الجديدة.
وكان حتى في ترجماته المتعلقة بالأدب متصدياً للأعمال الصعبة مثل رواية "الحجلة" لكورتاثار وترجمته لكتاب كارلوس فوينتيس التحليلي الأدبي القيم "المرآة الدفينة" وغيرها، كما لم يتردد في مد يد العون لفعاليات ثقافية أخرى كمهرجان طنطا الدولي للشعر مترجماً قصائد بعض الشعراء المشاركين إضافةً إلى ترجمته لقصائد شعراء مصريين إلى الإسبانية.
برحيل الدكتور على المنوفي نكون قد خسرنا أستاذاً كبيراً وزميلاً وقدوة لنا، وأتمنى لو يتم تكريمه بوضع اسمه على قاعة أو قسم في مكتبة، في إحدى جامعاتنا أو مؤسساتنا الثقافية، ليبقى قدوة أيضاً للأجيال القادمة المتخصصة في الترجمة والدراسات الإسبانية.
------------------------------------------------------------------------
*نشرت في صحيفة (أخبار الأدب)، العدد 1293 بتاريخ 6 مايو 2018 القاهرة
 
(د.علي المنوفي في مكتبة كتب خان عام 2015 وبين يديه أحد أهم ترجماته/ تصوير: د.نهاد بيبرس)

No hay comentarios:

Publicar un comentario